مستقبل العراق لا ينفصل عن مستقبل الموصل
٢٦ی ئایاری ٢٠٢١
1829
عند إبلاغي بكارثة سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، انهارت قواي كانهيار مسجد النبي يونس. فقد كنت وقتها خارج الوطن وأخبروني باستشهاد أحد أصدقائنا في تلك الحملة الشعواء، ولغاية الان لا تغادرني المشاهد المروعة للتدمير الهمجي الأبدي للآثار التاريخية التي بثتها القنوات الفضائية. مع سقوط الموصل سقطت الحضارة الإنسانية العريقة.
ففي قصة الموصل المحتل من قبل هذه الجماعة الارهابية، تم تشويه الفسيفساء الاجتماعية والتعايش أصبح في خبر كان، فقد استخدموا أقسى أشكال الحكم وقاموا بانتهاك حقوق الإنسان بتهجيرهم للمسلمين المعتدلين جنبا إلى جنب مع المسيحيين، وتعرض الإيزيديون للإبادة الجماعية واحتجاز واستعباد نساءهم وبيعهن في أسواق النخاسة في الموصل والرقة، بالإضافة الى تجنيد وقتل الأطفال، وتدمير ونهب الاثار. وقاموا بتدمير 80% من منازل مدينة الموصل واغلاق المحاكم المدنية، وتغيير المناهج الدراسية.
كانت جرائم داعش فظيعة بامتياز وجعلت مساحة واسعة من مدينة الموصل قبورا جماعية. ولغاية الآن ترتجف الضمائر الإنسانية عندما تتذكر الفيديوهات المسجلة لهذه المرحلة المشؤومة.
كان مجيء داعش بمثابة انتشار لجائحة كورونا، ولكن بدون أي تحصين ولقاح ووسيلة للوقاية منها ومن عودتها لاحقا وهذا ما یؤلمني…
أتفهم الحقيقة المرة بأن أحد أسباب انتشار التطرف يتمثل بعدم تمكين المجتمعات من حماية أنفسها بسبب افتقارها لامتلاك آلية مناسبة لتلك المهمة، وترك الفئات الأكثر ضعفًا ليصبح أفرادها متطرفين من خلال الافتقار إلى الخيارات الأخرى. ومنذ عام 2003، أُهدرت مئات المليارات من الدولارات من قبل فاسدين في العراق الجديد بينما كان من الممكن استثمار هذه المبالغ الهائلة لبناء مؤسسات تحمي الضعفاء في هذا البلد.
الفراغ الذي أصبح حاضنًا نموذجيًا للفكر الداعشي في العراق تجسّد في الانقسام الذي نشأ من صراع سنة 2003، حيث خلفت الحرب الفوضوية فراغا رآه المستضعفون والمهمشون بريق أمل قد يمكنهم من المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال داعش.
نحن اليوم عندما نحتفل بالذكرى السادسة لتحرير الموصل بفضل تكاتف أبناء العراق ودعم أصدقائنا، ونقف اجلالا لذكرى شهدائنا الأبرار، نعلم جيدا أن الانتصار دائما ما يحتاج إلى خطوات أكثر جدية. كما أن عملية مكافحة التطرف لا تمر إلا بالقضاء على الفساد والفقر والتهميش. ونتذكر دومًا العلاقة الوثيقة بين الفقر والتطرف، حيث أن مكافحة الثاني تبدأ من محاربة الأول.
علينا كشعب وقادة ألا ننظر الى النصر كنهاية المطاف ومرحلة انتهاء الصراع، إنما هو خطوة البداية لبناء المستقبل المزدهر المنشود. وتمثل إعادة بناء الموصل اجتماعيًا، وعمرانيًا، وسياسيًا، تلك الخطوة الاستراتيجية الضرورية، ويجب علينا جميعا كقادة وسياسیين وشعب أن نلتزم بها كمبدأ لإعادة بناء عراق سليم معافى.
كما يجب العمل على إرجاع كافة المهجرين إلى أرضهم ومساكنهم. كما نحث التحالف الدولي في الاستمرار بتقديم الدعم وذلك بهدف تمكيننا لبناء وإعمار البنية التحتية، ونناشده أيضًا لمساعدتنا على محاربة فكر الإرهاب والتطرف.
لا ينكر أحد أننا جميعا قد نجحنا في القضاء على الإرهاب في ميادين القتال، ولكن مجتمعاتنا لا تزال مهددة بحرب ناعمة وفكرية من قبل مروجي التطرف والإرهاب.
كما لا يجب أن ننسى دور منظمات المجتمع المدني، سواء كانت محلية أم دولية فهي كانت ولا تزال ركيزة مهمة في حقل الإعمار ونشر الوعي على كافة المستويات. لذا يجب إشراكها ومشاركتها جنبًا الى جنب مع الحكومات المحلية والفدرالية بهدف توعية الجيل الناشئ.
ومن المهم الترکیز علی الاستنهاض بالواقع الصحي لأن المجتمع الذي تتوفر فيه خدمات صحية جيدة، ينجح بشكل أكبر في حقول التربية والتعليم.
ولكي لا يشهد العراق فصلًا جديدًا من فصول الدم والدمار، وبهدف أن نجعل من القصة المأساوية لمدينة الموصل وغيرها من المدن التي شهدت ما شهدته مبعثًا لحياة وفكر جديدين، أوصي القادة السياسيين والشعب وكل من يهتم بالارتقاء بالحياة إلى ما يستحقه الإنسان وتستحقه الإنسانية بتبني النقاط التالية:
أولًا: الوقوف على المعاني الصحيحة والسليمة للتعايش السلمي وتعريف المفاهيم الأساسية للممارسات الإنسانية في حياتنا الاجتماعية.
ثانيًا: العمل على إنشاء وثيقة سياسية جامعة تكفل حياة مدنية معاصرة بكافة جوانبها الثقافية، والاقتصادية، والسياسية، ومنفتحة على مستجدات الحياة المدنية على المستويين الداخلي والخارجي.
ثالثًا: التعهد بالالتزام في جميع المواثيق الوطنية والقوانين النافذة التي تقضي بحرم وجرم كل ما من شأنه العبث والتخريب بحياة المدنيين.
هنالك مسألة ملحة أخرى ألا وهي مطالبة المجتمع الدولي باستعادة السجناء المعنيين بالسجون في العراق وسوريا، حيث أن الأمر يتطلب الكثير من الموارد لإدارتها.
المجتمع الدولي مُطالب أيضا ببذل المزيد من الجهد لتأهيل المجتمعات المحلية، ودعم منظمات المجتمع المدني، وإنجاز مشاريع تنموية جادة بدلًا من المشاريع المؤقتة في المخيمات التي لا تخلف إلا مجتمعات معزولة.