في الشهر الأخير من العام الماضي 2024، تأخرت رواتب الموظفين لعدة أيام عن موعدها، وبذات الوقت اشتكت بعض المحافظات والعديد من المقاولين من تأخر صرف مستحقاتهم المالية، لتتسرب معلومات من اللجنة المالية النيابية عن وجود أزمة سيولة لدى الحكومة.

عجز مالي ام نقص سيولة ؟.. معلومات متضاربة والمالية "تتكتم على الهلع"
بقيت المعلومات عن وجود أزمة سيولة أو عجز مالي تتداول لعدة أسابيع في تصريحات مسؤولين ومستشارين ونواب، لكنها كانت تتضارب، فوزارة المالية تصدر بيانات تنفي فيها وجود أزمة مالية أو ازمة سيولة حتى وانها ملتزمة بتمويل الرواتب وغيرها من أبواب الصرف، وكان نواب في اللجنة المالية يكررون ما تقوله الوزارة، في حين يؤكد نواب اخرون في اللجنة المالية وجود ازمة حقيقية، وان وزارة المالية تريد من اللجنة المالية "التكتم" على المعلومات لغرض عدم اثارة الهلع بين الناس.

اعتراف بصعوبة تمويل المشاريع وآخرون يتحدثون عن "نقص سيولة" ولا وجود للعجز
انعدام وجود سياقات واضحة وتضارب المعلومات جعل القصة غير واضحة على لسان المسؤولين، لكن عمومًا حتى الجهات التي تحاول "طمأنة الشارع"، اعترفت بشكل أو بآخر بوجود "صعوبة" في تمويل المشاريع مع ضمان وجود الرواتب، واخرون قالوا ان هناك أزمة سيولة وليس عجزًا ماليًا.

وثيقة مسربة من المالية تحسم الجدل.. اعتراف بـ"عجز مالي"
الحديث عن نقص السيولة، يعني أن الدولة تمتلك الأموال بـ"الدولار"، لكن السيولة المالية بالدينار غير متوفرة لأنها مكتنزة في المنازل، والفرق كبير بينها وبين العجز المالي، لكن كتابا تسرب بالخطأ كما يبدو قبل أيام يحمل إجابة من وزارة المالية الى مكتب رئيس الوزراء، يتضمن اعترافا صريحا بوجود "عجز كبير" في الخزينة لتوفير رواتب الموظفين والمتقاعدين والحماية الاجتماعية، فالمالية بنفسها وصفته بـ"العجز الكبير"، ولم تتحدث عن نقص سيولة.

المالية تنفي وجود عجز و"تصمت" عن حقيقة الكتاب المسرب
ليس الكتاب الصادر من المالية فحسب قد يؤكد هذه القصة، بالرغم من محاولة الوزارة تدارك هذه المعلومة، وأصدرت بيانات لاحقة فيما بعد نفت من خلالها وجود أزمة او عجز مالي، لكنها في الوقت ذاته لم تتطرق الى حقيقة الكتاب المسرّب او تقوم بنفيه، لكن عمومًا عند تحليل الأرقام والبيانات، يصبح ليس من الحاجة لتخبرنا المالية ما يحصل بالضبط.


المالية باعت دولارات للبنك المركزي بـ 8 تريليون دينار في ديسمبر 2024
عند تحليل الأرقام والبيانات الرسمية يتضح أن المشكلة الحقيقية هو وجود عجز وليس نقص في السيولة كما يقول بعض المسؤولين، فعلى سبيل المثال، باعت وزارة المالية في شهر ديسمبر 2024 وهو اخر شهر تتوفر بياناته المالية، اكثر من 6.2 مليار دولار، حيث يشتري البنك المركزي الدولار من وزارة المالية الذي تحصل عليه من تصدير النفط، بسعر يبلغ 1300 دينار لكل دولار واحد، ووفقًا لذلك ستكون وزارة المالية قد حصلت على 8 تريليون دينار نتيجة بيع الدولار الى البنك المركزي.

الوارد 9.5 تريليون دينار والمصاريف اكبر بـ 25%
يضاف الى هذا المبلغ قيمة الإيرادات غير النفطية الداخلية، والتي تظهر بيانات وزارة المالية انها بلغت 16 تريليون دينار خلال 11 شهرا من العام 2024، ما يعني ان معدل الإيرادات غير النفطية يبلغ 1.5 تريليون دينار شهريًا في احسن الأحوال، ما يجعل اجمالي إيرادات المالية الشهرية حوالي 9.5 تريليون دينار شهريًا، لكن بالمقابل تبلغ نفقات الرواتب لوحدها شهريًا اكثر من 8 تريليون دينار شهريًا، واذا ما أضيفت النفقات التشغيلية اللازمة الأخرى ستحتاج الوزارة الى 10 تريليون و300 مليار دينار شهريًا، اما اذا جمعنا النفقات الاستثمارية ستحتاج المالية الى 12.4 تريليون دينار شهريًا، ما يعني ان الإيرادات الشهرية تغطي 75% فقط من النفقات، بينما يبلغ العجز 25%.


 

الديون الداخلية قفزت 20% خلال عام واحد
هذا الاستنتاج يفسره بشكل واضح واكبر حجم الديون الداخلية الذي ارتفع بشكل كبير خلال العام الماضي 2024، فالديون الداخلية طوال الأعوام 2021 و2022 و2023 كانت مستقرة بين 65 و70 تريليون دينار، لكنها حتى نهاية 2024 ارتفعت الى اكثر من 83 تريليون دينار، أي ان الاقتراض الداخلي في 2024 بلغ 13 تريليون دينار وهو يبلغ 3 اضعاف ما تم اقتراضه داخليا من 2021 وحتى نهاية 2023.